مراتع


عندما أقف فوق رأس ونة وأمد بصري من وادي بالدود إلى وادي العين لا تخطئ عيني شئ، لان لي مع كل حجر حكاية ومع كل شجيرة قصة

اشتاق إلى هدير أمواجك وبياض رمالك،

أين تجد وطنا تحيَي فيه الأموات لأنك تعرفهم ويحيوك الأحياء لأنهم يعرفونك

من أراد ليبيا وأرادك بسوء قصمه الله
اعزائي مرحبا بكم


الثلاثاء، يناير 24، 2012

أنقذوا مدينة مرسى لكّ الأثرية


نقلا عن مدونة عوض الشاعري

مدينة مرسى لكّ الأثرية
بين طموحات البٌحاث  وشبح الاندثار

 تعتبر ليبيا من أكثر البلدان التي تزخر بتنوع مناطقها الأثرية، و تعدد الحضارات الإنسانية التي قامت على أراضيها على امتداد حقب زمنية موغلة في القدم  ، كالرومانية والبيزنطية والفينيقية والإغريقية والإسلامية وغيرها من الحضارات التي تعاقبت على مر العصور، حضارات سادت معظمها  ثم بادت … وبقيت أثارها وشواهدها  دليلاً على مجد غابر وماض تولى …. ولعل من أبرز ما يميز الساحل الليبي الممتد من أمساعد شرقاً إلى رأس أجدير غرباً هي المرافيء و الموانيء الإسلامية  والتي من أهمها ميناء مدينة مرسى لك الإسلامية،التي تغفو كعذراء بدوية على أعتاب الساحل الشرقي في دعة وهدوء..  و التي تشهد هذه الآونة حركة نشطة  لبعض البعثات الأوربية الأثرية ، وهذا ما دعانا لإجراء هذا الاستطلاع للتعرف على طبيعة عمل هذه البعثات و على أخر ما توصلوا إليه من اكتشافات أثرية .
-         التقينا أولاً بالأستاذ : فتح الله سالم ارجيعة  ( أمين مكتب أثار البطنان ) الذي قال :
  * نعم … هذا صحيح فبعد بعثة جامعة أكسفورد البريطانية التي أنهت دراساتها  وعمليات المسح المهمة التي قامت بها  في هذه المنطقة منذ عدة أسابيع ، تقوم هذه الأيام بعثة فرنسية تتكون من  دكتورة كلير هاردي جيلبرت من جامعة السوربون، وهي باحثة تابعة للمركز الفرنسي  للأبحاث العلمية  (CNRS) . وزميلتها أ.   جونيفييف لوبران بروتيير  باحثة مشاركة من نفس المركز  بمشروع ( أبيم )، ومتخصصة في أطلس المواني والخطوط البحرية .. وذلك بالتعاون مع هيئة اليونسكو التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وبالتعاقد مع مصلحة الآثار الليبية  لدراسة المواني و المرافيء الإسلامية على الساحل الليبي والتي من بينها هذا الميناء القديم (ميناء مدينة مرسى لك الإسلامية) التي تبعد بمسافة 95 كيلومتراً شرقي مدينة طبرق ..  وقد بدأ فريق العمل مباشرة المسح والاستكشاف به بعد الموافقة على التعاقد منذ 24/6/2007م وتعتبر هذه الزيارة هي الثانية لهذا الفريق  ونأمل أن نتحصل على نتائج جيدة بعد الانتهاء من أعمال التنقيب والمسح الشامل .
-         ثم التقينا بالدكتورة كلير جيلبرت وسألناها عن الغرض من إعداد هذه الدراسة وعن مدى الاستفادة منها مستقبلاً فقالت :
  *أنا متخصصة في دراسة المواني و المرافيء الإسلامية  والتي يزيد عددها عن 220 ميناء ومرفأ تقع مابين سواحل المحيط الأطلسي غرباً حتى شواطيء اندونيسيا شرقاً، مروراً بلبنان وفلسطين والإسكندرية شرقاً و طنجة والمنصورية  والقيروان غرباً  وبعض المدن الليبية مثل لبدة وصبراته و سوسة والتي قمت بزيارتها للتعرف على طبيعتها ، كما قمت قبل كل شيء بقراءة كل المصادر التي تتحدث عن هذه المناطق تقريباً كما اختلطت ببعض السكان والأهالي في محاولة لرسم صورة تقريبية للواقع والتعرف على اللهجات وملامح الحياة الإجتماعية في هذه المناطق حتى أتمكن من الاقتراب أكثر من طبيعة دراستي، وقد سبق لنا أن تقدمنا بعرض لمصلحة الآثار الليبية عام 2006 م لدراسة المواني المرافيء الإسلامية في شرق ليبيا خاصة ميناء مرسى لك وبعد أن تحصلنا على الموافقة بدأنا في عملية مسح شاملة للميناء والمناطق المحيطة به  وتنحصر دراستنا فيما بين عامي (622 م : 1550م) وهي الحقبة التي بدأت مع الفتح الإسلامي لليبيا حتى  بدايات العهد العثماني الأول .
  -  هل استفادت بعثتكم من عمليات البحث السابقة والاكتشافات التي قام بها بعض الخبراء في هذه المنطقة ؟
  *طبعاً .. هذا الموقع ذكره البروفيسور (أندريا لاروند) من جامعة السوربون والذي يقوم حالياً بحفريات في مدينة ( أبولونيا)، وذكر أن منطقة مرسى لك كانت تسمى في العصور القديمة باتروس ماغنا(1)… كما أنني التقيت عام 2005 م بالسيد / فرج خليفة مشرف مدينة مرسى لك الأثرية والذي ساعدنا بخبرته، واطلعت على العديد من الشواهد واللقى التي من بينها (جرة فخارية ) تعود لعصر متقدم ، غير إسلامي ، قد يكون روماني أو فينيقي، وعندما بدأت في عمليات المسح جمعت الكثير من الفخار الإسلامي المنثور في الطبيعة ، كذلك وجدت مجموعة من فخار ( ألسجلاته) ما قبل الإسلام، ووجدت أيضاً كتابات ونقوش بيزنطية ، كما عثرنا على بقايا زجاج ترجع للعصر الفاطمي، وأيضاً قطعة صغيرة من العملة الفاطمية .. وهذا دليل على تنوع الحضارات التي تعاقبت على مدينة مرسى لك. كما لاحظنا أن الجيش الإسلامي الذي جاء عن طريق البر قد استفاد كثيراً من هذا المرفأ وحافظ عليه ، بل واستخدموه أيضاً في التواصل مع الشعوب الأخرى، ولقد قرأت العديد من الكتابات وأهمها للجغرافي العظيم ( الإدريسي ) والتي تؤكد أهمية ( مرسى لك ) واستقباله للمراكب من مواني طلميثة والإسكندرية و كريت وغيرها من المرافيء التي تطل على ساحل المتوسط  ودوره في حركة التجارة آنذاك .
-    في ضوء دراستكم للمنطقة هل تستطيعين رسم ملامح لحياة السكان في تلك الحقب المختلفة، أو التعرف على مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة حينذاك ؟
  *   أولاً نحن تعاقدنا مع مصلحة الآثار الليبية على عمليات مسح بسيطة لدراسة المنطقة، لكننا من خلال ما عثرنا عليه من شواهد ولقى  تعرفنا على جزء  من تاريخ هذه المنطقة، فعلى سبيل المثال عندما نجد نوعاً معيناً من الفخار نستطيع أن نتعرف على مصدره وتاريخ صناعته تقريباً والغرض الذي صنع من أجله… لكن عملية  كتابة تاريخ هذه المنطقة بواقعية أو منطقية، تحتاج إلى دراسات معمقة وحفريات أعمق، عندما نريد أن نوثق كل شيء ونذكر التفاصيل  لابد أن تكون هناك عمليات تنقيب شاملة وعميقة وهنا يجب أن أذكر جهود السيد / إدريس عبد القادر الرفادي مستشار الآثار الذي يستطيع أن يعطي معلومات جيدة عن المنطقة ، ونحن لم يمض على تواجدنا خلال هذه الزيارة سوى 4 أيام تعرفنا خلالها على بعض المناطق مثل البيت القديم كما اكتشفنا  معمل الفخار  المحلي وأطلقت عليه اسم (جبل التنور) بعد إن كان الأهالي يسمونه  (نزوة الغرقان)  نسبة لقبر حديث لأحد السكان المحليين، ولازالت تتناثر في الطبيعة الكثير من مخلفات صناعة الفخار  وأواني الطهي والمصابيح  وغيرها . ولقد قمنا بعملية مجس صغيرة بعمق  مترين تقريباً  اكتشفنا خلالها مجموعة من الجدران التي يحتمل أن تكون لمسجد  أو بيت كبير لأحد الأعيان أو الحكام  المسلمين، وأستطيع أن أقول إن المنطقة تحتاج إلى دراسة طبوغرافية بأجهزة متطورة، كما تحتاج إلى رسم خريطة دقيقة ومفصلة  تقوم بها بعثة متخصصة، ونحن نأمل المحافظة على الآثار من العبث والتعديات التي يقوم بها الأهالي  حتى نستطيع الحفاظ على كنوزها من الاندثار والزوال .
-         كما التقينا بالباحثة جونيفيف لوبران والتي أضافت قائلة :
  *   حقيقة أنا مندهشة جداً لهذا العالم الساحر الذي أراه، وأتمنى من السلطات المحلية التعاون مع مصلحة الآثار لحماية هذه المنطقة التي تعتبر محمية أثرية بموجب الاتفاقات الدولية وحسب قانون الآثار .. وأننا نقوم بدراستنا هذه من أجل ليبيا  ومن أجل التراث الإنساني وليس من أجلنا فقط ، ونحن نخشى على هذه المنطقة الجميلة من زحف الأسمنت وتعديات المواطنين، وكما قالت زميلتي  المنطقة تحتاج إلى سياج شبكي لحمايتها من الضياع والعبث ونأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع مصلحة الآثار الليبية حول إعداد دراسة متعمقة وإجراء حفريات متعمقة في المستقبل القريب، وهنا اسمحوا لي أن أسجل شكري العميق لكل من تعاون معنا في سبيل نجاح هذه الدراسة .
-         كما التقينا بالأخ : فرج عبد العاطي بوشيبة ، مدير الشؤون الفنية بمراقبة آثار شحات  فقال :
  *   بصراحة أنا أستغرب عدم تعاون المسؤلين مع مصلحة الآثار، وأدعو إلى التدخل السريع والعاجل  لحماية هذه المنطقة التي يندر وجودها في أي بلد من بلدان العالم، وأخشى أن نفيق ذات يوم على غابة من الكتل الأسمنتية والبيوت الحديثة والاستراحات تغطي هذه المنطقة البكر  ونندم حيث لا ينفع الندم ، لقد لمست من خلال تواجدي هنا معاناة زميلي  أ. فرج خليفة  مشرف مدينة مرسى لك الإسلامية ، ومدى قلقه على هذه الكنوز الأثرية التي تحمل قيمة تاريخية وعلمية  تدل على  ما كانت عليه هذه المدينة من ماض عريق يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني، ولقد أحسست بجهوده التي يبذلها وفق امكاناته المتواضعة في محاولة تكاد تكون أكثر من شاقة في الحفاظ على هذه الشواهد و الآثار والمقابر  من التعدي  أو النهب في غياب الرقيب الحقيقي والمسئول الغيور .. وأنا أتمنى من كل الجهات المختصة هنا أن تمد يد العون لهذا الرجل الذي لا يطلب أكثر من المحافظة على هذه المحمية حتى تتم الاستفادة منها مستقبلاً بالطريقة التي ستعود بالنفع على أبناء هذه المنطقة أولاً وعلى بلادنا بصفة عامة، من خلال  توظيفها في برامج السياحة التي حتماً ستستوعب الكثير من أبناء هذه المنطقة وستوفر لهم العديد من فرص العمل .
-     وكان لابد لنا أن نلتقي بمشرف المدينة ، الباحث : فرج خليفة الشاعري، لنستمع إلى شجونه وخواطره حول هذه المعالم التاريخية التي تشكو الإهمال  فقال :
  *   بداية أشكر تواجدكم هنا معنا وتحمل مشاق السفر لأكثر من 90 كيلومتراً، وهي المسافة التي تفصل مدينة طبرق عن مرسى لك كما أشكر أعضاء البعثة على  مشاعرهم الطيبة تجاهنا وتجاه هذا المعلم التاريخي المهم ، وهذه الأرض البكر التي تحمل في جوفها أسرار الحضارات الإنسانية الخالدة التي استقر بها المقام هنا ، والتي أعطت خصائصها ومكوناتها وثقافاتها تنوعاً تاريخياً وأثرياً متبايناً يرسم صوراً عبر ماضي الآباء والأجداد  وكيف تعاملوا مع بيئتهم عن طريق التأثير والتأثر لتبقى أثارهم صامدة في وجه الزمن ، ونحن بدورنا بحاجة لإبراز حضاراتنا للعالم ، وإماطة  اللثام عن هذه الدرر وهذا التاريخ المشرف الذي سطره سكان هذه المنطقة عبر الأزمنة ، فقط نحتاج إلى الوعي ، لأن معظم المواطنين يجهلون أهمية هذه الكنوز ، ومعظم المسئولين أيضا لا يتعاونون معنا ، فعلى سبيل المثال أنا أجد صعوبة بالغة في تسكين أطقم البعثات التي تزور المنطقة ، وأحياناً ألجأ إلى إخراج عائلتي من بيتي الخاص  لتمكين أفراد البعثة من الإقامة فيه ، كما أضطر أحيانا لبناء خيمة في العراء لنفس الغرض ، رغم وجود بعض المقار الرسمية الشاغرة ، وهنا أود أن أسجل شكري لمدير مدرسة  ذات الصواري الذي قام بتوفير سكن المدرسين لهذه البعثة، كما أننا تنقصنا العديد من الإمكانات المهمة مثل  :
·        وسيلة مواصلات  وأجهزة اتصالات ، وجهاز حاسوب .
·         كما نحتاج لعملية تسييج للمنطقة .
·        تثبيت اللوحة التي تحمل الرقم الدولي لمنظمة اليونسكو (1ـ01)
·         متحف يضم أثار المدينة وشواهدها ،
·        إعادة ترميم لبعض  الهياكل الأساسية و البنى التحتية  بالمدينة
  وأعدكم أنه سيأتي اليوم الذي يعلم فيه هؤلاء المسئولون مدى تقصيرهم وتقاعسهم عن تقديم   العون، عندما تدب الحياة في هذا الجزء الغالي من تراب بلادنا ويصبح محجاً للسواح من كل حدب وصوب، وتتحول المنطقة إلى أهم مناطق الجذب السياحي في بلادنا ، وتعم الخيرات و تتحسن أحوال المنطقة .
 وغادرنا ونحن نحلم مع فريق العمل بأن تتحول هذه المنطقة إلى بؤرة إشعاع حضاري  كما كانت في السابق  ، ورافد  اقتصادي  يغير حياة سكان المنطقة ، بدلاً من أن تندثر هذه الآثار التي صمدت أمام عوامل التعرية وتقلبات المناخ القاسية على مر القرون. 
(1) : اعتقد ان السيدة كلير جيلبرت ربما اخطأت هنا و منطقة البردي هي التي كانت تعرف باسم باتروس ماقناس (مسئول المدونة).